السحب الجزئي للقرارات الإدارية "دراسة مقارنة"
الملخص
ترتد فكرة السحب الجزئي إلى المبدأ الروماني المعروفUtile per inutile non viviatur، أي أن المفيد لا يفسده غير المفيد، فقد تفرع عن هذا المبدأ العديد من الأفكار والنظريات التي تستهدف الحفاظ على التصرفات القانونية والعمل على استقرارها قدر المستطاع عندما يشوب بعض أجزائها سببًا من أسباب البطلان، أو النقص أو الإلغاء، فيصبح التصرف صحيحًا منتجًا لآثاره فيما سلم منه من هذه الشوائب.
ومذ أن بدأ اهتمام فقه القانون العام بنظرية السحب بالتحليل والتأصيل في مطلع القرن العشرين؛ كان تعرضه للسحب الجزئي بشكل عرضي، يشوبه التكرار أحيانًا، والاقتضاب في أحايين كثيرة، إذ انصرف الفقه إلى تناول هذه الفكرة كصورة من صور السحب دون التعرض لأحكامها، أو بحث قواعدها وآثارها، والفرق بينها وبين غيرها من التصرفات قانونية.
من هنا تظهر إشكالية هذا البحث بالنظر إلى ماهية وأهمية السحب الجزئي كونه من تصرفات الإدارة القانونية التي تستهدف منها إزالة عنصر من عناصر القرار الإداري أو بعض آثاره في الماضي والمستقبل، دون أن تستغرق أساسه وجوهره، فيبقى الجزء الذي لم يستغرقه السحب صحيحًا منتجًا لآثاره، ومن ثم يثور التساؤل حول آلية السحب الجزئي ومحدداته وما هي القيود التي تحيط هذه العملية؟ وما هي آثارها؟ كل هذه أسئلة تتبادر إلى الذهن عند بحث هذا الموضوع؛ وتستهدف هذه الدراسة الإجابة عنها في ضوء ما شيد القضاء الإداري الفرنسي والمصري والسعودي من منظومة قانونية جديرة بالبحث والتمحيص لتجليتها وجمع شتاتها وإعمال الرأي فيها قدر الجهد، لتقديم تصور محكم عن السحب الجزئي كوسيلة قانونية لتطهير القرار من شوائبه حفاظًا على أساسه وتحقيقًا لاستقرار المراكز القانونية فيما صح منه، وهذا ما يعكس وجه تميز هذه الدراسة ومناط الجدة فيها.