العفو وأثره في إسقاط عقوبة الإعدام (دراسة فقهية مقاصدية)
الملخص
العفو هو أحد أنواع مسقطات القصاص بعد وجوبه، ويتم باختيار العبد وإرادته لذلك كان علامة على اعتبار القصاص حقاً من حقوق العباد بخلاف بعض العقوبات التي هي من حقوق الله تعالى والتي لا يكون للعبد اختيار في إسقاطها بعد وصولها للقضاء.
والعفو في اللغة معناه التجاوز والمحو، وفي الاصطلاح: التجاوز عن الذنب وترك العقاب، وهو مشروع بالكتاب والسنة في مواضع كثيرة تحض عليه وترغب فيه، وله ثلاثة أركان هي: العافي والمعفو عنه والصيغة الدالة عليه، ولكل ركن من هذه الأركان شروط نص عليها الفقهاء في كتبهم.
والجهة التي تملك حق العفو في الأصل هم أقرباء المجني عليه من أولياء الدم ممن يرث بالفرض أو التعصيب على تفصيل بين المذاهب، فلا يجوز شرعاً التعدي على حقهم هذا بالعفو عن الجاني دون رضاهم أو موافقتهم، وقد نص الفقهاء أيضاً على عدم جواز هضم حق الصغير وتجاوزه أو إسقاط حقه دون عوض أو بدل ولهم في ذلك اجتهادات متعددة في تحقيق ذلك.
ومن المسائل التي بحثها الفقهاء: العفو عند تعدد الأولياء، حيث إن عفو البعض يسقط القصاص مطلقاً على تفصيل عند المالكية، وعفو المجني عليه بعد إصابته وقبل وفاته، وسراية الجرح، حيث وجدنا لعفو المجني عليه أثراً في إسقاط القصاص على خلاف بين الفقهاء في تفصيل ذلك، وهو ما جاء بيانه في موضعه من البحث.
وقد تناول البحث مقاصد الشريعة في تشريع العفو وتنظيم أحكامه بما يحقق مقصد حفظ النفس على أتم الوجوه وأكملها، وبما لا يُهدر مقصد الشريعة في تشريع عقوبة القصاص؛ من زجر الجناة، وإرضاء أولياء الدم، وإعادة التوازن إلى المجتمع الذي زعزعت الجريمة استقراره وتوازنه، مما يبيّن أن العفو المنضبط بضوابط الشريعة لا يعرّض مقصد حفظ النفوس للخطر، ولا يؤدي إلى تنمية روح الثأر والانتقام عند أولياء الدم بخلاف العفو غير المنضبط بهذه القيود الشرعية والضوابط الفقهية.